هناك حكايات ملفقة من كثرة تكرارها تصبح حقيقة راسخة رسوخ الجبال، وكل من يحاول تصحيحها يتهم بالجنون. من ضمن هذه الحكايات الملفقة التى نفخ فيها الجميع فصارت أسطورة وملحمة، حكاية د.نجيب محفوظ آخر مسيحى دخل قسم النساء والولادة بطب قصر العينى وتولى رئاسته وخرج على المعاش منذ أكثر من نصف قرن، تناقلت أجيال أساتذة النساء والولادة قصة اضطهاد هذا الطبيب المسيحى للأطباء المسلمين وقسوته عليهم، وصار هناك شبه عرف متفق عليه بأنه لن يدخل ويعين فى هذا القسم أى مسيحى ولو حصل على الترتيب الأول فى البكالوريوس، وتم تدعيم هذه العنصرية الصريحة ببعض الفتاوى الدينية من قبيل أنه لا يجوز أن يكشف طبيب مسيحى أو حتى طبيبة مسيحية ويستبيحا جسد امرأة مسلمة، بل إنه لا يجوز أن تتعرى امرأة مسلمة من أصله أمام امرأة مسيحية!، تضخمت الحكاية مثل كرة الثلج وأضاف إليها ودحرجها على جبل الجليد كل عابر سبيل، حتى تحول هذا الطبيب الذى أشرف على ولادة أديبنا العظيم نجيب محفوظ الذى سمى على اسمه إلى شيطان رجيم ودراكولا مرعب يخشى أطباء النساء من التلفظ باسمه.

سألت نفسى سؤالاً منطقياً لو كان هذا الرجل المسيحى بمثل هذه العنصرية المقيتة لرأينا أجيالاً وأجيالاً من أساتذة النساء المسيحيين الذين عينهم نجيب محفوظ يملأون جنبات القسم بعد رحيله؟!، لكن ما حدث أنه بعد خروج هذا الرجل فى الأربعينيات لم نر أستاذاً أو حتى مدرساً مسيحياً لهذا التخصص، توجهت بحيرتى وأسئلتى إلى أستاذى د. محمد أبوالغار الذى وضح لى الحقيقة وأن هذا الكلام غير حقيقى، وأنه لا يصح أن نترجم أى خلاف فى العمل إلى طائفية وحتى لو افترضنا هذا، وهو غير صحيح، فإنه ليس مبرراً لهذا الموقف الطائفى السخيف، وقال لى إن د.نجيب محفوظ على العكس أرسل بعثة فيها ثلاثة من الأطباء منهم اثنان مسلمان وواحد مسيحى إلى إنجلترا، وقد نجح المسلمان وتم تعيينهما أستاذين فى القسم ورسب الطبيب المسيحى عدة مرات، ورحل نجيب محفوظ، ورفض قسم النساء والولادة بطب القاهرة تعيين حفيده الدكتور سميكة أو منحه الدكتوراة، وأصبح هناك قانون غير مكتوب بين أساتذة النساء القدامى وبين طلبة الطب المسيحيين أنفسهم بأنه لا مكان للقبطى فى قسم النساء والولادة، حتى من أفلت من المسيحيين الأوائل وعافر وقاوم وعين نائباً وكان اسمه مرقس أصابه اليأس والقنوط وعرف أن الطريق مغلق بالضبة والمفتاح والمتاريس الفولاذية.

أعتقد أن هذه الصفحة الكريهة قد آن أوان إغلاقها، خاصة أن هناك جيلاً جديداً من أساتذة النساء أعرف معظمهم، وعلى يقين من استنارتهم وتفتحهم وعدم انشغالهم بهذا الثأر التاريخى الوهمى، والجميل أنه على رأس القسم الآن رجل مستنير يبغض التعصب والطائفية هو أستاذى د. حسام بدراوى، والأجمل أن القسم قد احتفى العام الماضى ببنت نجيب محفوظ وحفيده فى لفتة جميلة وصحية، لابد أن نقتنص هذه اللحظة ونعلن أنه قد آن الأوان لنزع الخوف والرعشة من يد الطالب المسيحى وهو يكتب الرغبات فى نيابات الأقسام، وأناشد هذا الطالب ألا يتلعثم وهو يكتب النساء والولادة، وأن يكسر حاجز خوفه المزمن، هذا واجب عليه الآن لكى نكسر عنق هذه الطائفية البغيضة خاصة فى ظل العميد الحالى د. سامح فريد الذى يعادى هذا الفكر الظلامى.

إجهاض الفتنة الطائفية هو الإجهاض الوحيد المباح الذى يشجعه القانون ولابد أن يقوم به أطباء النساء والولادة دون غرامة.